سورة الممتحنة - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الممتحنة)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}
{إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات} سماهنّ مؤمنات لتصديقهنّ بألسنتهنّ ونطقهنّ بكلمة الشهادة ولم يظهر منهنّ ما ينافي ذلك. أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهم بالامتحان {فامتحنوهن} فابتلوهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للممتحنة: «بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت من بغض زوج، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، بالله ما خرجت التماس دنيا، بالله ما خرجت إلا حباً لله ولرسوله» {الله أَعْلَمُ بإيمانهن} منكم لأنكم لا تكسبون فيه علماً تطمئن معه نفوسكم، وإن استحلفتموهن ورزتم أحوالهن، وعند الله حقيقة العلم به {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات} العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكفار} فلا تردّوهن إلى أزواجهن المشركين، لأنه لا حلّ بين المؤمنة والمشرك {وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} وأعطوا أزواجهنّ مثل ما دفعوا إليهنّ من المهور، وذلك: أن صلح الحديبية كان على أن من أتاكم من أهل مكة ردّ إليهم، ومن أتى منكم مكة لم يردّ إليكم؛ وكتبوا بذلك كتاباً وختموه، فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها مسافر المخزومي.
وقيل صيفي بن الراهب فقال: يا محمد، أردد عليّ امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف، فنزلت بياناً لأن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء.
وعن الضحاك: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهد: أن لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك ولها زوج أن تردّ على زوجها الذي أنفق عليها، وللنبي صلى الله عليه وسلم من الشرط مثل ذلك.
وعن قتادة: ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد براءة، فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت، فأعطى زوجها ما أنفق وتزوّجها عمر.
فإن قلت: كيف سمى الظنّ علماً في قوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ}؟ قلت: إيذاناً بأن الظن الغالب وما يفضي إليه الاجتهاد والقياس جار مجرى العلم، وأن صاحبه غير داخل في قوله: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] فإن قلت: فما فائدة قوله: {الله أَعْلَمُ بإيمانهن} وذلك معلوم لا شبهة فيه؟ قلت: فائدته بيان أن لا سبيل لكم إلى ما تطمئن به النفس ويثلج به الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن. فإنّ ذلك مما استأثر به علام الغيوب، وأن ما يؤدي إليه الامتحان من العلم كاف في ذلك، وأن تكليفكم لا يعدوه؛ ثم نفى عنهم الجناح في تزوّج هؤلاء المهاجرات إذا آتوهنّ أجورهنّ أي مهورهنّ، لأن المهر أجر البضع، ولا يخلو إما أن يراد بها ما كان يدفع إليهنّ ليدفعنه إلى أزواجهنّ فيشترط في إباحة تزوجهنّ تقديم أدائه، وإما أن يراد أن ذلك إذا دفع إليهنّ على سبيل القرض ثم تزوجن على ذلك لم يكن به بأس، وإما أن يبين لهم أن ما أعطى أزواجهنّ لا يقوم مقام المهر وأنه لابد من إصداق، وبه احتج أبو حنيفة على أن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلماً أو بذمة وبقي الآخر حربياً: وقعت الفرقة، ولا يرى العدة على المهاجرة ويبيح نكاحها إلا أن تكون حاملاً {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} والعصمة ما يعتصم به من عقد وسبب، يعني: إياكم وإياهنّ، ولا تكن بينكم وبينهنّ عصمة ولا علقة زوجية.
قال ابن عباس: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدنّ بها من نسائه، لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه.
وعن النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر.
وعن مجاهد: أمرهم بطلاق الباقيات مع الكفار ومفارقتهن {وَسْئَلُواْ مَآ أَنْفَقْتُم} من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار {وَلْيَسْئَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ} من مهور نسائهم المهاجرات. وقرئ: {ولا تمسكوا} بالتخفيف. ولا تمسكوا بالتثقيل. ولا تمسكوا. أي: ولا تتمسكوا {ذَلِكُمْ حُكْمُ الله} يعني جميع ما ذكر في هذه الآية {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} كلام مستأنف. أو حال من حكم الله على حذف الضمير، أي: يحكمه الله. أو جعل الحكم حاكماً على المبالغة. روى أنها لما نزلت هذه الآية أدى المؤمنون ما أمروا به من أداء مهور المهاجرات إلى أزواجهنّ المشركين، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئاً من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين، فنزل قوله: {وَإِن فَاتَكُمْ} وإن سبقكم وانفلت منكم {شَيْءٌ} من أزواجكم: أحد منهن إلى الكفار، وهو في قراءة ابن مسعود: أحد.
فإن قلت: هل لإيقاع شيء في هذا الموقع فائدة؟ قلت: نعم، الفائدة فيه: أن لا يغادر شيء من هذا الجنس وإن قل وحقر، غير معوض منه تغليظاً في هذا الحكم وتشديداً فيه {فعاقبتم} من العقبة وهي التوبة: شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره. ومعناه: فجاءت عقبتكم من أداء المهر، فآتوا من فاتته امرأته إلى الكفار مثل مهرها من مهر المهاجرة، ولا تؤتوه زوجها الكافر، وهكذا عن الزهري: يعطي من صداق من لحق بهم. وقرئ: {فأعقبتم} فعقبتم بالتشديد. فعقبتم بالتخفيف، بفتح القاف وكسرها، فمعنى أعقبتم: دخلتم في العقبة، وعقبتم: من عقبه إذا قفاه، لأنّ كل واحد من المتعاقبين يقفي صاحبه، وكذلك عقبتم بالتخفيف، يقال: عقبه يعقبه.
وعقبتم نحو تبعتم. وقال الزجاج: فعاقبتم فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، والذي ذهبت زوجته كان يعطي من الغنيمة المهر، وفسر غيرها من القراآت فكانت العقبى لكم، أي: فكانت الغلبة لكم حتى غنمتم. وقيل: جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعة عن الإسلام ست نسوة: أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري، وفاطمة بنت أبي أمية كانت تحت عمر بن الخطاب وهي أخت أم سلمة، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، وعبدة بنت عبد العزى بن نضلة وزوجها عمرو بن عبد ودّ، وهند بنت أبي جهل كانت تحت هشام بن العاص. وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة.


{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)}
{وَلاَ يَقْتُلْنَ أولادهن} وقرئ: {يقتلن}، بالتشديد، يريد: وأد البنات {وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها: هو ولدي منك. كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذباً، لأنّ بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فيما تأمرهن به من المحسنات وتنهاهنّ عنه من المقبحات. وقيل: كل ما وافق طاعة الله فهو معروف.
فإن قلت: لو اقتصر على قوله: {وَلاَ يَعْصِينَكَ} فقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بمعروف؟ قلت: نبه بذلك على أنّ طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بغاية التوقي والاجتناب.
وروي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال: أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متقنعة متنكرة خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها فقال عليه الصلاة والسلام: «أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً فرفعت هند رأسها وقالت: والله لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال تبايع الرجال على الإسلام والجهاد، فقال عليه الصلاة والسلام: و {لا يسرقن} فقالت: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصبت من ماله هنات، فما أدري، أتحل لي أم لا. فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها: وإنك لهند بنت عتبة؟ قالت: نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك، فقال: {ولا يزنين}: فقالت: أو تزني الحرة وفي رواية: ما زنت منهن امرأة قط، فقال عليه الصلاة والسلام {ولا يقتلن أولادهن} فقالت: ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {لا يأتين ببهتان} فقالت: والله إنّ البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال: {ولا يعصينك في معروف} فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء».
وقيل في كيفية المبايعة: دعا بقدح من ماء فغمس فيه يده، ثم غمسن أيديهن. وقيل: صافحهن وكان على يده ثوب قطري. وقيل: كان عمر يصافحهن عنه.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
روي أنّ بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم. فقيل لهم {لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً} مغضوباً عليهم {قَدْ يَئِسُواْ} من أن يكون لهم حظ في الآخرة لعنادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمون أنه الرسول المنعوت في التوراة {كَمَا يَئِسَ الكفار} من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء. وقيل: {مِنْ أصحاب القبور} بيان للكفار، أي: كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة؛ لأنهم تبينوا قبح حالهم وسوء منقلبهم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الممتحنة كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاء يوم القيامة».

1 | 2 | 3